ا.د. عثمان علي
يسود في الاوساط السياسية والاعلامية وصفحات التواصل الاجتماعية في هذه الايام اعتقاد بأن اتفاقية لوزان الموقعة في تموز 1923 بين تركيا ودول الحلفاء بعد الحرب العالمية الاولى ( بريطانيا وفرنسا وايطاليا وروسيا وصربيا ) ستنتهي مداها الزمني في تموز العام القادم وتخطط تركيا لاعادة ممتلكات الدولة العثمانية التي خسرتها في الحرب العالمية الاولى والتي اقرت بها مضطرا في اتفاقية لوزان. ويعتقد المراقبون والمحللون ان لتركيا مطامح خاصة وتسعى لفرض سيطرتها على شمال العراق والتي كانت تسمى في العصر العثماني بولاية الموصل وبعض المناطق الحدودية في شمال شرق سورية واجراء تغيير في حدود مياهها الاقليمية في بحر ايجه . ولكن نركز في هذه الورقة على الاطماع التركية في اقليم كوردستان والموصل ونحاول الاجابة على الاسئلة التالية. هل هناك فعلا سقف زمني لاتفاقية لوزان عام 1923؟ هل تركيا فعلا تخطط لاحتلال شمال العراق ومن ضمنها اقليم كوردستان ؟وهل الظروف الدولية والاقليمية تسمح لضم جزء من بلد ذات سيادة وعضو في الامم المتحدة من قبل بلد اخر.؟ وهل اضافة خمسة ملايين كوردي عراقي الى الكورد في تركيا لا تعقد ازمة الهوية الوطنية التركية؟ نسلط الضوء اولا على بنود اتفاقية لوزان ثم نعرض علاقة الاتفاقية بالمطامح التركية في شمال العراق . ثم نشرح الاسباب التي ادت الى ظهور قناعة عند البعض بوجود نهاية للوزان ورغبة عند الحكومة التركية في استغلال هذه الاتفاقية . وهل فعلا ان هناك سياسة حكومية تركية للتوسع باتجاه العراق وسورية ام انها نظرية مؤامرة يروّج لها البعض لاهداف معينة.
مواد وتاريخ معاهدة لوزان 1923 :
بعد انتهاء الحرب العالمية عام 1918، انعقد أكبر مؤتمر في قصر فرساي في باريس لتحديد مصير دول ما بعد الحرب عام 1919، وأبرمت بعده عدة معاهدات من القوى المتحالفة المنتصرة “سيفر” في 10 أغسطس/ آب 1920، وتقاسمت بموجبها أراضي الدولة العثمانية، وأعطت معظم الجنسيات غير التركية فيها استقلالها عن الإمبراطورية، لكن الأتراك رفضوا ذلك، وخاضوا حربًا شرسة ضد الحلفاء، حتى حققوا انتصارًا كبيرًا عليهم، خصوصا على اليونان في حرب الاستقلال التركية 1918-1923. بعد ذلك، عُقد “مؤتمر لوزان الثاني” الذي استغرقت أعماله ثلاثة أشهر، وأسفر عن توقيع “معاهدة لوزان” بوصفها اتفاقية سلام دولية، أبرمت في 24 يوليو/ تموز 1923 في فندق “Beau Rivage Plus” في لوزان، جنوب سويسرا، (جرى توقيع معاهدة لوزان الأولى 1912 في قصر دوشي في لوزان في أعقاب الحرب الإيطالية التركية 1911-1912 في ليبيا). وكان أطراف معاهدة لوزان الثانية من القوى المنتصرة بعد الحرب (خصوصا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا)، ومعها ممثل عن الإمبراطورية العثمانية مترئسا وفدها إلى المؤتمر، عصمت إينونو، الرجل الثاني بعد كمال أتاتورك. وعلى أساس المعاهدة رسميًا، جرى تقسيم الإمبراطورية العثمانية، فتأسّست الجمهورية التركية، برئاسة مصطفى كمال باشا، وقد تسمّى “أتاتورك” (أبو الأتراك). وعاش بين 1881-1938. وكان قد فرض نفسه زعيما للحركة الوطنية التركية في أعقاب الحرب، وانتصر على الجيش اليوناني في الحرب اليونانية التركية 1922. وبعد انسحاب الحلفاء وقواتهم من الأراضي التركية، استولى على مدينة أنقرة التي تتوسّط الأناضول واتخذها عاصمة له، مؤسّسا جمهورية تركيا الحديثة، وألغى السلطنة والخلافة العثمانية، وأعلن تركيا دولة علمانية ضمن ستة مبادئ: الجمهورية والعلمانية والتغريب والدولتية والوطنية والتحديث، وأعلن مسالمتها في الداخل والخارج. وغدا نائبه عصمت إينونو (1884 – 1973) ثاني رئيس للجمهورية التركية، حيث تولى الرئاسة بين 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1938 إلى 22 مارس/ آذار 1950، وشغل منصب رئيس وزراء تركيا عدة مرات بين 1923 و1924 وبين 1925 و1937، وشغل منصب وزير خارجية تركيا بين 1922 حتى 1924، ومنصب رئيس الأركان العامة بين 1920 و1921، وأصبح زعيمًا لحزب الشعب الجمهوري من 1938 حتى 1972.
نصت معاهدة لوزان الثانية على إلغاء “معاهدة سيفر” وبنودها الجائرة للإمبراطورية العثمانية، وتأسيس ما عُرف لاحقًا باسم “الجمهورية التركية” العلمانية
أهم مضامين معاهدة لوزان الثانية:
-
ترسيم حدود إمبراطورية الخلافة العثمانية بحدود الدولة التركية الحديثة وعاصمتها أنقرة
-
. تضمنت 143 مادة موزّعة على 17 وثيقة تتراوح بين “الاتفاقية” و”الميثاق” و”الإعلان” و”الملحق”، وتناولت ترتيبات التوفيق بين الأطراف والموقعين على المعاهدة وإعادة إنشاء العلاقات الدبلوماسية فيما بينهم “وفق المبادئ العامة للقانون الدولي”.
-
وضعت قوانين لاستخدام المضائق المائية التركية وقواعد المرور والملاحة فيها وقت الحرب والسلم، وتنصّ على شروط الإقامة والتجارة والقضاء في تركيا، ومراجعة وضع الدولة العثمانية ومصير المناطق التي كانت تابعة لها قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى ((1914-1918)
-
.إلغاء “معاهدة سيفر” وبنودها الجائرة للإمبراطورية العثمانية، وتأسيس ما عُرف لاحقًا باسم “الجمهورية التركية” العلمانية، بعد إلغاء نظام الخلافة الإسلامية، وترسيم حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية التي حافظت على ضم استامبول وتراقيا الغربية، وتضمّنت أحكامًا لتقسيط ديون الدولة العثمانية.
-
تخلت تركيا عن سيادتها على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق والشام، باستثناء مدن كانت موجودة في سورية، مثل أورفة وأدنة وغازي عنتاب وكلس ومراش، وتنازلت الإمبراطورية العثمانية عن حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان، اعتبارًا من نوفمبر/ تشرين الثاني 1914.
-
نصّت على استقلال جمهورية تركيا، وحماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية فيها والأقلية المسلمة في اليونان، وإلزام الحكومة التركية بالحفاظ على أرواح جميع المواطنين وحقوقهم وحرّيتهم ضمن حدودهم في الإقليم، ولهم حقوق متساوية أمام القانون، بغض النظر عن الأصل والجنسية واللغة والدين، لكن معظم السكان المسيحيين في تركيا والسكان الأتراك في اليونان جرى دفعهم بناءً على معاهدة تبادل السكان اليونانيين والأتراك.
-
وافقت تركيا رسميًا على فقدانها قبرص (استأجرتها الإمبراطورية البريطانية بعد مؤتمر برلين عام 1878، لكنها ظلت أرضًا عثمانية قانونية حتى الحرب العالمية الأولى)، وكذلك مصر والسودان (احتلتها القوات البريطانية بذريعة “إخماد ثورة عرابي واستعادة النظام” عام 1882، لكنها بقيت أراضي عثمانية “قانونية” حتى الحرب العالمية الأولى)، والتي ضمتها بريطانيا من جانب واحد في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1914.
8-ترك مصير ولاية الموصل ليتم تحديده من خلال عصبة الأمم.
9- تخلت تركيا عن الأراضي الواقعة إلى الجنوب من سورية والعراق وشبه الجزيرة العربية عندما تم التوقيع على هدنة مادروس في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 1918
10 -إلزام تركيا بعدم وضع أي قيود على المواطنين في استخدام أي لغة من اختيارهم مهما كانت، سواء في العلاقات أو في الاجتماعات العامة أو في مجالات الدين والتجارة والإعلام والنشر والتأكيد على الحقوق السياسية والسيادة الاقتصادية، وإلغاء تطبيق نظام الامتيازات الأجنبية على أراضيها.
11–بقيت إحدى القلاع العثمانية بعد سيطرة رومانيا عليها عام 1919، إذ سمح لها بالبقاء أساسًا قانونيًا تركيًا في الملكية الخاصة للسلطان العثماني حتى معاهدة لوزان 1923.
12- تخلت تركيا عن امتيازاتها في ليبيا كما حددتها الفقرة 10 من معاهدة أوتشي عام 1912 (وفقًا للفقرة 22 من معاهدة لوزان 1923
ينظر الأتراك إلى اتفاقية لوزان الثانية نظرة خيبة تاريخية، بالرغم من اعتبارها وثيقة تأسيسية للجمهورية التركية، كما وصفها الرئيس أردوغان، في خطابه أمام رؤساء البلديات المجتمعين في المجمع الرئاسي في أنقرة، حيث دعا إلى مراجعة وتأسيس لما بعد مائة سنة عليها، والتي أعقبتها تسوية حدود تركيا الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى. وقال أردوغان إن “معارضي تركيا” أجبروها على التوقيع على “معاهدة سيفر” عام 1920، وتوقيع “معاهدة لوزان” الثانية عام 1923، وبسبب ذلك، تخلت تركيا عن جزر وأراض. ويصف أردوغان معاهدة سيفر بأنها الشوكة أو الطعنة الأولى في ظهر العهد العثماني، لأنها أجبرت تركيا على التنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت تحت نفوذها
. لنص الكامل لمعاهدة لوزان 1923 – المعهد المصري للدراساتhttps://eipss-eg.org › النص-الكامل-ل…· ()Aug 17, 2020(
هل هناك سقف زمني او سري لاتفاقية لوزان :
تلك اذن كانت مواد الاتفاقية كما اشرنا اليها اعلاها وهي منشورة كاملة منذ توقيعها وموجودة في المكتبات العامة وارشيف الحكومات المعنية .اذن من يروج لنهاية الاتفاقية في تموز عام 2023. وهل هناك سقف زمني او بند سري لهذه الاتفاقية ولماذا هذا الجدل القائم حليا حول هذا الموضوع ؟ يجيب نيك دانفورث ،الباحث الامريكي في مؤسسة فورن بولسي المتنفذة على هذا السؤال بالقول :
“بينما يناقش المعلقون الأمريكيون ما إذا كانت تركيا ستنضم إلى تحالف الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضد تنظيم الدولة الإسلامية ، يتطلع بعض النقاد الأتراك إلى تحديات سياسية خارجية أكثر خطورة – مثل ما سيحدث في عام 2023 عندما تنتهي معاهدة لوزان وتصبح حدود تركيا الحديثة قديمة. . تماشيًا مع المقالات السرية التي وقعها دبلوماسيون أتراك وبريطانيون في منتجع سويسري مطل على البحيرة قبل قرن تقريبًا ، ستعيد القوات البريطانية احتلال الحصون على طول مضيق البوسفور ، وسيقوم بطريرك الروم الأرثوذكس بإحياء وزارة بيزنطية داخل أسوار مدينة إسطنبول. على الجانب الإيجابي لتركيا ، سيتم السماح للبلاد أخيرًا بالاستفادة من احتياطياتها النفطية الهائلة التي كانت محظورة في السابق وربما استعادة تراقيا الغربية. بالطبع ، لن يحدث أي من هذا في الواقع. معاهدة لوزان ليس لها شرط سري لانتهاء الصلاحية. لكن من المفيد النظر في ما تكشفه نظريات المؤامرة هذه ، التي يتم تداولها على مواقع الويب شبه الغامضة والبرامج الإخبارية من الدرجة الثانية ، حول الحقائق الأعمق للسياسة الخارجية التركية ، لا سيما في ظل حزب العدالة والتنمية المؤيد للإسلام الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان.”
Nick Danforth. “Notes on a Turkish Conspiracy”
Notes on a Turkish Conspiracy – Foreign Policyhttps://foreignpolicy.com › 2014/10/02 › notes-on-a- turki… Oct 2, 2014 “
اذن من يروّج لاسطورة نهاية لوزان ؟
فس تصورنا ان المرّوجيين لهذه الاسطورة والمخاوف من التوسع التركي خارج حدودها يمكن ان ينصنفوا ضمن الدوائر التالية :
-
اصحاب نظرية المؤامرة في الشرق الاوسط
-
البعد التاريخي ويتمثل بدعاة الطورانية ضمن حزب العمل القومي المتحالف مع الحزب الحاكم الداعيين الى اعادة مجد الاتراك في القفقاس واذربيجان وسورية والعراق والبلقان.
-
الدوائر الرسمية خاصة العسكرية منها
-
الاطراف المؤيدة للحزب الحاكم ودعاة العثمانية الجديدة
-
اعداء الحكومة التركية خاصة ب ك ك وايران وسوريا